لا يمر عام لا تقع فيه حوادث طيران في إندونسيا، يترافق ذلك مع مئات الضحايا والعائلات المنكوبة، حتى باتت “لعنة” الطائرات ترعب العالم، ترى ما السر؟
13 دقيقة كتبت كلمات النهاية لـ189 شخصا كانوا على متن رحلة طيران “جى تي 610” التابعة لشركة “ليون آير”، والتي سطرت سطرا جديدا في كوارث الطائرات الإندونيسية.
وقالت وكالة البحث والإنقاذ في إندونيسيا، إن طائرة ركاب تابعة لشركة “ليون أير” تحطمت في البحر أثناء رحلة من العاصمة جاكرتا إلى مدينة بانكال بينانغ في جزيرة سومطرة، ووفقا لاحداثيات موقع Flightradar، سقطت الطائرة في البحر على الساحل الغربي من جزيرة جاوة الإندونيسية.
13 دقيقة
ونشرت صحيفة “ذا ستراتس تايمز” تقريرا تفاصيل الـ13 دقيقة الحاسمة، التي تلاها سقوط الطائرة الإندونيسية في مياه البحر بالقرب من جزيرة جاوة.
وأوضحت الصحيفة أن الرحلة انطلقت الرحلة في تمام الساعة 6:20 صباحا من مطار العاصمة الإندونيسية جاكرتا، متجهة إلى مطار بانغكال بينانغ، المدينة الواقعة في الشمال والتي كان من المقرر الوصول إليها الساعة 7:20 صباحا، أي في غضون ساعة.
وكشف موقع “فلايت رادار” المتخصص في تعقب مسارات الطائرات حول العالم، فالطائرة أقلعت من جاكرتا متجهة نحو الجنوب الغربي، ثم تحولت وجهتها إلى الشمال الشرقي، قبل أن تختفي فوق بحر جافا في مكان غير بعيد عن الساحل بعد 13 دقيقة فقط من الإقلاع.
وأوضح الموقع أن الطائرة عندما اختفت كانت على ارتفاع 5 آلاف قدم، قبل أن تفقد الارتفاع، ثم تستعيده مرة أخرى، قبل أن تتهاوى إلى قاع البحر.
وكان على متن الطائرة الإندونيسية المنكوبة 178 راكبا بالغا، وطفل، ورضيعان، وطياران، وطاقم مضيفين مكونة من 5 أفراد.
نداء استغاثة
من جانبه، قال إدوارد سيريت، الرئيس التنفيذي لشركة “ليون آير”، إن الطيار، بعث بنداء استغاثة إلى أقرب برج مراقبة.
وأشار المسؤول الإندونيسي إلى أن الطيار طلب العودة إلى مطار جاكرتا الدولي، بسبب ما وصفه بـ”خلل فني” مجهول.
وأردف “لقد تصرف طيارنا وفقا للإجراء المتبع، وعندما لاحظ مشكلة طلب العودة إلى المطار، ولكن لا نعلم كيف انتهى الأمر”.
لكن كشف رئيس شركة “ليون آير” أن طائرة “بيونغ 737 ماكس 8” خضعت لإصلاح “خلل فني” قبل انطلاقها للرحلة المنكوبة.
23 حادث
لكن الغريب في الأمر، هو لعنة الطائرات في إندونيسيا، حيث عانى الطيران الإندونيسي من تحطم 23 طائرة في 10 سنوات فقط، أي لا يمر عام تقريبا إلا وتقع فيه أكثر من حادثة طيران.
ففي عام 2008، سقطت في آذار طائرة تابعة لشركة “آدام آير” من طراز “بيونغ 737-400″، ولكن تم إنقاذ ركابها.
وفي عام 2009، وقعت 5 حوادث طيران دفعة واحدة، أولها في شباط لشركة “ليون آير”، والتي تهشمت فيها مقدمة الطائرة من دون وقوع خسائر بشرية، فيما كانت الحادثة الثانية في آذار وتابعة أيضا لـ”ليون آير” والتي هبطت اضطراريا من دون خسائر بشرية أيضا.
أما نيسان، وقعت حادثة لطائرة قتلت 11 شخصا، وفي آب، كان هناك حادثة أخرى أودت بحياة 16 شخصا، فيما هبطت طائرة اضطراريا في كانون الأول.
وفي عام 2010، وقعت حادثة في نيسان، أصابت 44 شخصا، فيما نجا 109 راكب، وفي تشرين الثاني، بعدما استقرت الطائرة على بطنها بسبب خلل فني كاد أن يؤدي إلى احتراقها.
وفي عام 2011، وقعت في أيار حادثة طيران قتلت 25 شخصا، وفي أيلول، توفي 18 شخصا نتيجة حادثة أخرى، وفي ديسمبر تم إجلاء ركاب طائرة هبطت اضطراريا بسبب خلل فني.
وفي عام 2012، في مايو أودت حادثة بحياة 45 شخصا، بعدما اصطدمت بأحد الجبال.
وفي عام 2013، كانت كارثة أخرى لطائرة “ليون آير” في شهر نيسان ، أودت بحياة 103 شخصا بالقرب من مطار نغوراه باي الدولي في جزيرة بالي الإندونيسية.
وفي حزيران، هبطت طائرة أخرى اضطراريا، وكادت أن تتحطم بعدما انحشرت محركاتها في مدرج المطار وتهشمت أجنحتها بصورة كاملة، ووقعت حادثة مماثلة أيضا في شهر آب.
وفي عام 2014، تحديدا في شباط وقع حادث كاد أن يودي بحياة 222 شخصا، بعدما ارتطمت الطائرة على مدرج المطار أربع مرات، ولكن نجا الركاب جميعهم وأصيب فقط اثنين من الركاب بجروح خطيرة.
لكن الكارثة وقعت في كانون الأول من نفس العام، بعدما سقطت طائرة تابعة لخطوط “آير آسيا” في بحر جافا وأودت بحياة 162 شخصا على متنها.
وفي عام 2015، تحديدا في حزيران تحطمت طائرة تابعة للقوات الجوية الإندونيسية وعلى متنها 131 شخصا ماتوا جميا، لكن الأزمة أنها سقطت على حي سكني وقتلت 22 أخرين.
وفي آب، ارتطمت طائرة أخرى تابعة لخطوط “تريغانا آير” بجبال تانغوك، وقتلت 54 شخصا كانوا على متنها.
وفي تشرين الأول، اختفت طائرة تابعة لخطوط “آفييستار” من على الرادار وقتل 10 أشخاص على متنها بعدما عثر على حطامها بالقرب من جبل لاتيموجونغ.
وفي عام 2016، هبطت طائرة تابعة لخطوط البلطيق اضطراريا، بعدما اشتعلت النيران في محركاتها.
وفي حزيران، سقطت طائرة خاصة على 3 منازل بدائية في بابوا، أسفر الحادث عن إصابة 7 أشخاص بينهم قائد الطائرة الاميركي الجنسية.
والغريب في الأمر، أن عام 2017، هو العام الوحيد الذي مر على إندونيسيا من دون حوادث طيران على الإطلاق، لكن يبدو أن هذا لم يستمر كثيرا، بعدما عادت اللعنة مجددا لتضرب البلاد في عام 2018 بحادثة رحلة “جى تي 610” الإندونيسية.
سر اللعنة
أما مجلة “ذا أتلانتيك” الاميركية فنشرت تقريرا تحدثت فيه عن سر “اللعنة” التي تضرب الطائرات الإندونيسية، والتي تتسبب في تكرار حوادث الطيران فيها.
وقالت المجلة الاميركية إن إندونيسيا، رابع أكبر عدد للسكان على مستوى العالم، تعد الدولة الأكبر من حيث كوارث الطيران منذ تأسيسها عام 1991.
وأرجعت المجلة ذلك إلى ما أطلقت عليه أنه مزيج من العوامل الجغرافية والاقتصادية والسياسية.
وقالت إن إندونيسيا تعد أرخبيلا يصعب التنقل بيها بريا أو بحريا، ما يجعل الانتقال الجوي هو الوسيلة الأسهل، لكن تعاني من فقر وانعدام البنية التحتية بصورة كبيرة، خاصة في إقليم “بابوا”، الذي يعد أحد أكثر المناطق النائية في العالم.
وبالنسبة لإقليم “بابوا” فربط العلماء بينه وبين الكثير من الأساطير القديمة، خاصة وأنه يطلق عليه مسمى “العالم المفقود”، نظرا لاحتوائه على فصائل من الحيوانات والنباتات الغريبة وغير المعروفة في أي منطقة أخرى في العالم.
وأشارت المجلة إلى أنه نظرا لحاجة البلاد الماسة إلى النقل الجوي، فتم جعل تكلفته زهيدة، لتكون في مستوى المواطن متوسط الدخل، ما جعلها تأتي على حساب أمان وصيانة الطائرات.
وتحدثت “ذا أتلانتيك” أيضا عن البعد السياسي للعنة، حيث قالت إن تقارير عديدة أرجعت الحوادث إلى انتشار الفساد في قطاعات عديدة من الدولة، ومنها قطاع الطيران، فيما يحصل العاملون في قطاع الطيران سواء الطيارين أو مهندسي الصيانة أو التقنيين أو مراقبي الحركة الجوية على أجور زهيدة، وبالتالي تؤثر على جودة قيامهم بأعمالهم.
وأشارت المجلة إلى أنه ربما يكون ذلك السبب الرئيسي في رفض إندونيسيا الدائم مشاركة فرق بحث أو تحقيق أجنبية في عمليات البحث أو إنقاذ ضحايا أي طائرة منكوبة لديها، حتى لا يتم فضح مستويات المهارة المتدنية لطاقم العمل فيها.