تشرفت بأن شاركت في الخامس من ديسمبر 2021 في حفل غرفة الشرقية “السبعيني” المميز ، الذي رعاه وحضره أمير الشرقية ، صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز سلمه الله ، الحفل الذي أعاد الكثيرين من الحضور لسنوات من الذكريات ، فلا بد ان تكون المناسبة قد حملت لكل منهم حدثا مختلفا ، فمنهم من ذكرته برجال ومواقف ، ومنهم من حملت إليه شيء من الدلائل والمؤشرات التي أصبحت واقعا ملموسا ، وربما حملت للبعض شيئا من العاطفة الجياشة ، ولكنها حملت للجميع سعادة بالغة ، مفادها بأن بيت مجتمع الأعمال في منطقتهم ، يمثل أحد أنجح المؤسسات الأهلية في الوطن ، مؤسسة قامت بالكثير من الأعمال الاجتماعية الجليلة والاقتصادية المميزة . نسأل الله جلت قدرته الرحمة لمن كان بيننا من ال (pioneers) الأوائل البناة المخلصين ، وطرح الله البركة في من بيننا منهم ، وزادهم عطاء واستحقاقا .
على المستوى الشخصي ، أعادت تلك الفعالية الرحبة الذاكرة بي إلى الوراء ، فأخذت أتأمل وانا أتابع فقرات الحفل ، كيف إزدادت وظائف الغرفة ومهامها منذ الفترة التي سعدت بالتكليف بالعمل فيها لسنوات ثلاث معارًا من قبل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن آنذاك . نعم لقد زادت تلك المهام ، وانطلقت غرفة الشرقية تشق طريقها عبرها خارج محيطها بشكل نال الإعجاب .
وتأملت بمهنية الدارس والباحث والمدرس للعلاقات الدولية ، حاجتنا الملحة لتطوير أعمال الغرف السعودية بشكل عام وغرفة الشرقية على وجه الخصوص في مجال “التعاون الدولي” ، كيف لا ، والتوجه نحو تدويل قطاعات الأعمال يزداد يوما بعد يوم ، وبنفس وتيرة إزدياد المهام والوظائف ، إن لم يكن أكثر .
ويعلم جيدا ، كل من يتابع مناشط وفعاليات غرفة الشرقية متعددة الاغراض والأهداف ، أن الغرفة تمتلك كل مقومات النجاح للارتقاء بأعمالها إلى فضاء أوسع وأعم وأكبر وأكثر فائدة ، وتمتلك في الوقت نفسه مقومات تعزيز التواصل ، وبناء العلاقات ، وأساليب تطوير الشراكات ، وآليات التفاعل الدولي .
ويؤكد المراقبين والمحللين في الاقتصاد والشؤون الدولية ، على حقيقة أن هناك حاجة ملحة في عالمنا المعاصر لمزيد من التعاون الدولي ، وتفعيل أكبر للأنشطة الدولية ، وتطوير خطط وبرامج الشراكات الإستراتيجية ، وهو ما تسعى المملكة إلى تحقيقه عبر رؤيتها الطموحة ، بانفتاحها الإيجابي المثمر على العالم بخبراته وممارساته وتجاربه . وتصاحب رؤية 2030 ، تلك الرؤى التنموية التطويرية لصاحب السمو أمير المنطقة الشرقية وسمو نائبه حفظهما الله ، الأمر الذي يمكننا من الاستنتاج بأن رؤية قيادتنا السياسية على مستوى الوطن والمنطقة الشرقية ، تشجع كل المرافق والأجهزة على المستويين العام والخاص على مثل ذلك الانفتاح ، من خلال تطوير أدوارها في عالمها ، الصغير منه والكبير .
ويرى الكاتب بأن التعاون الدولي قد أصبح منهجا ضروريا في مسار أي منشأة تنشد التطور السليم – سواء كانت تلك المنشأة وزارة ، أو جامعة ، أو غرفة تجارية او غير ذلك – منهجا يساعدها على التميز والرقي وتفعيل دورها خارج حدودها ، سعيا لمستقبل أكثر إشراقا في تحقيق الريادة داخل الوطن وخارجه ، وهو ما يكسبها سمعة بأنها منشأة تتسم بصفة رئيسة من سمات إستراتيجية العمل ، الا وهي تعزيز مكانتها كمنشأة متصلة دوليًا .
ومن هذا المنطلق ، فان الكاتب يؤكد على أهمية أن تضع غرفة الشرقية ، وهي التي أثبتت عبر السنين بأنها المقدامة صاحبة السبق ، أن تضع فكر “التعاون الدولي” على رأس أولوياتها ، ومن ركائز إستراتيجية ما “بعد السبعين” من عمرها . فقد أصبح التعاون الدولي المعاصر يدخل في كافة الجوانب الهامة المتعلقة بتطوير القدرات المؤسساتية ، من خلال نقل المعارف والتقنيات والمنهجيات والممارسات الحديثة المتعلقة بتحسين الاداء من جهة ، والتأسيس لشبكات دولية من العلاقات تمكنها من بناء الشراكات وتنظيم الفعاليات عالية الكفاءة والتميز .
ولقد أصبح التوجه للتأسيس للعمل الدولي في الغرف التجارية في هذه الأيام ممارسة قائمة داخل الوطن وخارجه . فهناك إدارة الشراكات الدولية في غرفة البحرين ، وإدارة المكاتب الخارجية في غرفة دبي ، وإدارة المنظمات الدولية في غرفة عمان . كما ان هناك إدارة العلاقات الدولية في غرفة قطر ، وإدارة العلاقات الخارجية في غرفة الكويت ، وإدارة العلاقات الخارجية في أمانة غرف مجلس التعاون . وفي المملكة ، هناك في غرفة الشرقية قسم العلاقات التجارية الدولية التابع لمركز الاستثمار والدراسات ، ومركز العلاقات الدولية في غرفة مكة المكرمة ، وإدارة شؤون العلاقات الدولية في غرفة جدة ، وإدارة التعاون الدولي في اتحاد الغرف السعودية .
وبمناسبة مجيء مجلس إدارة جديد لغرفة الشرقية ، فإنني أقترح ان يتبنى المجلس “إستراتيجية للتدويل” تصاغ من خلالها رؤية ورسالة وأهداف وآليات الغرفة في مجال التعاون الدولي ، إستراتيجية يشرف عليها فريق يعمل تحت مظلة الأمانة العامة ، ليقيم العلاقات المباشرة مع الجهات المستهدفة على المستويين الإقليمي والدولي ، لتصل الغرفة من خلال ذلك الإتصال والتواصل إلى مراكز الصدارة ، ولتقدم مستوى” لعمل دولي” متميز يتماشى ومتطلبات العصر ، بإرساء أفضل ممارسات ومبادرات ومشاريع وبرامج التعاون الدولي في قطاعات كالتجارة والصناعة والاستثمار ، وفي مجالات التواصل الحضاري المتخصصة والمختلفة والمتعددة في مجالات المعرفة والتقنية والإبداع والابتكار وغيرها .
وسوف تمكن “إستراتيجية التدويل” المقترحة المعنيين في الغرفة بالتعاون الدولي ، تمكنهم من فهم أكبر للقضايا المرتبطة بأعمال الغرفة وأهدافها وتوجهاتها ، وصولا لإبراز فلسفتها ودورها ، والرقي بمكانتها على كل المستويات والأصعدة ، من خلال “تشبيك” علاقاتها بالممكن في العالم ، وبما يخدم رؤيتها ورسالتها وتعاونها الدولي بشكل عام .
ولعلي أقدم هنا ، وبايجاز ، تجربة واقعية استفادت منها الغرفة في مجال “التعاون الدولي” في إحدى مراحل تطوير أعمالها وبرامجها . فقد تمكنت الأمانة العامة بتعاون إيجابي من مجلس إدارتها بتسيير برنامج للتعاون الدولي ، برنامجا لم “تصاغ” له إستراتيجية تذكر حينها ، بل كان البرنامج يتمتع بما سمته الأمانة العامة للغرفة آنذاك ب “بالإستراتيجية التشاورية” بينها ومجلس الإدارة ممثلا بلجنته التنفيذية ، إستراتيجية كان هدفها السامي بعيد المدى هو تعزيز مكانة الغرفة خارج حدودها ، إستراتيجية تشاورية تقبلها أعضاء المجلس الموقر آنذاك بصدر رحب .
فقد طرقت الغرفة موضوع “التعاون الدولي” من أبواب عدة ، وكانت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أهمها آنذاك ، وجاء عبر. لك الباب تنظيم أول منتدى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية ، بالتعاون مع ( wasme) ، وهي مؤسسة استشارية تابعة للأمم المتحدة في ذلك المجال ، ومع هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الأمريكية ، ال (sba) . وفي مجال التعاون الفني ، فتحت الغرفة بابا مع اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا ، ال (escaw) ، التابعة للأمم المتحدة ، التي أعدت دراسة بطلب من الغرفة تتعلق بتأسيس مشروع تعليمي في المنطقة . وجاء باب التعاون الدولي الثالث أبان تحضير الغرفة ل “منتدى المنطقة الشرقية الاقتصادي الأول 2001″ ، حيث كلف مكتب دولة رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد ، أحد خبراء “رؤية ماليزيا 2020 “ لتقديم محاضرة في المنتدى عن تلك الرؤية التي كانت آنذاك بحق ، الرؤية الاقتصادية الوحيدة في عالمنا الإسلامي والعربي دون منافس .
وباختصار ، فقد تمكنت الغرفة خلال عام ونيف ، من دعم برامجها بالتعاون مع ثلاث جهات من خارج حدودها ، ممثلة ب (1) جهازين تابعين للأمم المتحدة ، و (2) دولة كانت ولا تزال من أهم الدول الآسيوية المتقدمة في رؤاها وممارساتها الاقتصادية ، و (3) إحدى أهم مؤسسات تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في العالم آنذاك ، هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الأمريكية .
وكان أهم ما نتج عن ذلك “التعاون الدولي” المشار إليه ، تنظيم أول منتدى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الإقليم والمنطقة ، وتأسيس الغرفة ل “باكورة” مراكز تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة والمنطقة الخليجية ، وربما في العالم العربي أيضًا .
يتمثل ما يدعوا الكاتب الى تبنيه ، في إرتباط أكبر “بمحيط” الغرفة الدولي ، إرتباط أكبر بالمجتمعات التجارية والصناعية والاستثمارية والتقنية والمعرفية وغيرها خارج حدود المملكة والمنطقة والإقليم ، إرتباطا أكثر كثافة وقدرة وتوسع ، في سعي لدعم توجهات الرؤية الوطنية الطموحة من جهة ، والرؤى التنموية لصاحب السمو أمير المنطقة الشرقية وسمو نائبه من جهة ثانية ، وما يتعلق منها بالتواصل مع الحضارات والثقافات والمجتمعات بإطارها الدولي .
وننوه قبل الختام ، عن حقيقة أن الهدف بعيد المدى لأي “تعاون دولي” وتواصل مجتمعي حضاري بالآخر في عالمنا المعاصر ، وفي ظل الظروف التي يمر بها عالمنا اليوم ، تكاد تكون مرتبطة بأمور عدة يأتي من بين أهمها ، تعزيز مكانة الوطن وتحسين صورته ، وتصحيح المغلوط من المعلومات عنه ، ودعم سياساته وتوجهاته . كما يرتبط أي “تعاون دولي” أيضًا ، بالتقارب ما أمكن من “منصات التواصل الاجتماعي” المقروء منها والمرئي والمسموع بغرض تصحيح مفاهيمها ، ناهيك عن تحديات “اللوبيات الإلكترونية” وما يصدر عنها من إساءات ومغالطات ، تتطلب التصدي لها والتعامل معها .
ويرى الكاتب ، انه سيأتي اليوم الذي سيكون مطلوب “وطنيًا” ومن ثم “أدبيًا” من الغرف التجارية الصناعية في المملكة – كجهات تحتضن في عضويتها الرسمية العديد من الشخصيات والمؤسسات والأفراد الذين يمثلون شريحة مجتمعية هامة وبارزة ومسؤولة – من أن تشارك بحكم طبيعة عملها المؤسسي الأهلي ، في التصدي لمثل تلك المغالاة والمواقف والاساءات والمغالطات ، من خلال إداراتها المهيكلة أساسًا للاهتمام بالتواصل المؤسسي والإعلامي والشؤون الدولية .
ولعلنا نختم بتهنئة المجموعة التي حازت على ثقة “صناديق الاقتراع” ونسأل الله لهم جميعًا التوفيق والسؤدد في مسيرتهم العملية ، في عضوية مجلس إدارة أمامه الكثير من التحديات التطويرية المستقبلية ، سواء ما يخص منها التطوير المحلي او الخارجي .
ونؤكد في الوقت نفسه ، على أن تبني مجلس الإدارة الجديد “لإستراتيجية التدويل” المطروحة هنا يمثل مطلبا “نوعيا” ومسارا حيويًا كأحد آليات تحقيق الغرفة لتطلعاتها المستقبلية ، وخاصة ما يتعلق منها بمنهج الانفتاح الإيجابي على العالم ، إنفتاح يؤدي إلى استقطاب الشراكات والممارسات المؤسسية والخبرات الدولية ، انفتاحا يساعد الغرفة على التميز والرقي إلى الصدارة ، والريادة في التواصل والإتصال على كافة المستويات والأصعدة ، الصدارة والريادة اللتان تتطلع اليهما قيادتنا السياسية في المملكة وفي المنطقة الشرقية على حد سواء ، رؤية ودورا ورسالة .