الدكتور إبراهيم عبدالله المطرف
تمثل وسائل التواصل الاجتماعي في عالم اليوم ، احد أهم أدوات الاتصال الدبلوماسي ، فقد باتت تفتح أبوابا واسعة من الاجتهادات والابتكارات خدمة للعمل الدبلوماسي بشكل خاص ، والسياسة الدولية بشكل عام ، وذلك ما جعل العلاقات بين الدول ، تعيش حالة من الإيقاع المتلاحق ، ومن التطورات السريعة في أشكال الاتصال وتقنيات الاتصال الحديثة ، التي توصف بأنها كثيرة التعدد وشديدة التنوع .
وأصبح الاعتماد على فنون الاتصال الدبلوماسي والسياسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي جسرًا من جسور التواصل الفاعل والمؤثر في عالمنا المعاصر ، بوحداته ومعالمه وأقاليمه السياسية والدبلوماسية والاقتصادية ، حتى بات عالمنا اليوم “قرية” متصلة ومتواصلة .
ولاشك أن هذا “المتغير” الجديد هو متغير بالغ الأهمية في تأسيس علاقة الدول ببعضها ، في كل مكان حول العالم ، وذلك في ضوء أن فن الاتصال السياسي قد تغير كثيرا ، إن لم يكن قد تغير جذريا في عصر بات يسميه الخبراء ب “عصر وسائل الإعلام” ، العصر الذي تتيح خلاله ثورة الاتصالات إمكانات واسعة وخيارات متعددة في عملية الاتصال الجماهيري ، التي تتم على نطاق واسع ، فيما يعرف للمتخصصين في نظم ونظريات الاتصال بالـ mass media ، ما يسهل للقائمين على التواصل ، بمجهود أقل في وقت أقصر ، ويوفر لهم إمكانات بالغة القوة والتأثير ، بين قطاعات أوسع من الجمهور الذي يمكن أن يستهدف ، وفئات لا يمكنه التوصل اليها بالوسائل التقليدية .
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، أتاحت الوسائل الحديثة التي نحن بصددها ، وفي القلب منها ما تعارف عليه العالم ب ال social media ، أتاحت للسياسيين أن يتواصلوا مع الناخبين دون وساطة ، ودون الحاجة إلى وسائل الإعلام التقليدية ، ليقدموا أنفسهم لناخبيهم . كما وفرت هذه الأشكال الجديدة من الاتصال “رافعة” كبيرة للمؤسسات والأجهزة الدبلوماسية والجهات السياسية المختلفة والمتعددة . وفي الوقت نفسه ، شكلت تحديا للمؤسسات التقليدية ، نظرا لتكلفتها المنخفضة ، ولما باتت تتمتع به من شعبية واسعة ، تتيحها وتوفرها لمن يقوم بالتواصل مع الجمهور مباشرة .
ولقد أصبحت وسائل الإعلام الاجتماعية ، وبخاصة تويتر وفيسبوك ، منصات مثالية للتواصل . وليس من دليل أقوى على ذلك ، من نجاحها في التأثير خلال الحملات الإعلامية للمرشحين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الغرب ، إضافة إلى دورها المؤثر في مخاطبة شعوب العالم وتكويناته المختلفة ، من خلال الحملات التي تستهدف “التأثير” لتحقيق أهداف معينة .
وهناك عشرات الأمثلة على قوة تأثير “الحملات الإعلامية” في مواقع التواصل الاجتماعي ، وقدرتها على تحقيق “تحولات” مهمة في الرأي العام في الكثير من قضايا الداخل والخارج ، حتى بات الإتصال عبر هذه المواقع ، من أهم “الرسائل” المتبادلة بين الجماعات ، ومن أهم وسائط “الحوار” .
ويرى كثير من المراقبين أن حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، كانت نقطة تحول كبرى في الإتصال السياسي الحديث ، بعد أن إعتمد المرشح الجمهوري في مخاطبة ناخبيه على مواقع التواصل الاجتماعي ، وتجنب اللقاءات الجماهيرية الصاخبة ، وكثف من وجوده على موقع “تويتر” واستخدم مواقع إلكترونية أقل شهرة من وسائل الإعلام التقليدية . وجاء ذلك في الوقت الذي كانت منافسته ، السيدة هيلارى كلينتون ، تنفق بسخاء على مؤتمرات جماهيرية يحضرها نجوم المجتمع ونجوم هوليوود وغيرهم من أجل دعمها ، وهو ما تجلى بوضوح وعلى نحو كبير ، في استخدام المال للتأثير في الرأي العام ، وبدا للجميع في صورة إنفاق يزيد بمقدار عشرة أضعاف ما أنفقه الرئيس ترامب في حملته التي جاءت به للرئاسة وإلى البيت الأبيض .
ويرى باحثون أن موقع “تويتر” وتغريداته ، لم يعد شأنا شخصيا بين المغردين والمتابعين له ، بل أصبح وفق مقالة للدكتور حسن أبوطالب ، نشرت في الأهرام المصرية في يناير2017 “اصبح أداة سيزداد دورها وتأثيرها في العلاقات الدولية على نحو غير مسبوق ، فبدلا من الحوارات الرسمية ذات الأصول والتقاليد ، سنكون أمام حوارات من نوع جديد ، يتابعها العالم كله لحظة بلحظة وكلمة بكلمة ، وان الفضل في ذلك يعود للرئيس دونالد ترامب ، الذى رأى في تغريداته التي تتعلق بالشأن العام ، أداة تواصل مميزة ، تغنيه عن التواصل من خلال أدوات الإعلام التقليدية ، وتعفيه من القواعد البروتوكولية ، التي يراها عقيمة مقارنة بموقع تويتر ، الذى يجعله يتواصل مع الداخل والخارج” .
ونشير هنا مرة أخرى إلى التطور التقني السريع جدا ، الذي مرت وتمر به وسائل الاتصال في الآونة الأخيرة ، فقد بدأ يظهر في الأفق مؤخرا مصطلح ال online lobbying كاداة لوبي حديثة ، نجزم أنها سوف تشق طريقها في المستقبل المنظور ، إلى الحكومات والمجموعات الاقتصادية الكبرى ، التي تحتاج إلى تحسين صورتها “image building” ودعم مكانتها وتحقيق أهدافها.
وتشير الجهات صاحبة هذا التقدم التقني في مجال عمل اللوبي ، وهي قلة ، تشير في مطوياتها بأنه يمكنها تدشين حملات ناجحة في مجالات دبلوماسية وسياسية وإعلامية واقتصادية من خلال ما تملكه من الآليات والأدوات التي “تكبر magnifies” حضور تلك الدول والشركات في “عيون الآخر” مستخدمة تجاربها وخبراتها في مجال التسويق والنشر ، ومن خلال إستعدادها لتحسين صورة الجهة ذات العلاقة مباشرة بالعديد من اللغات ، وبالتعاون مع إعداد كبيرة من الكتاب writers ، والصحفيين journalists ، والمترجمين translators ، والمدونين pluggers ، والمؤثرين influencers ، والمراجعين reviewers ، من مناطق مختلفة من العالم .
وهذا بلا شك يعني ، ان عملية التواصل والتأثير الجماهيري ، قد بدأت تحظى بخدمات تقنية متقدمة ، يمكن ان تستفيد منها الحكومات ومشاريعها الخاصة المتعلقة بأمور مثل “تحسين الصورة ” ، أو “جذب الاستثمار“ أو “تشجيع السياحة“ وغيرها . كما يمكن للمجموعات الاقتصادية الكبرى في القطاع الخاص ان تستقيد من خدماتها من خلال tailored خدمات يمكن ان تصمم خصيصًا لها .
من جهة ثانية ، فان مجيء هذه التقنيات المتقدمة تعنى ان الوسائل التقليدية للتواصل بين المجتمعات قد سقطت ، وجاءت وسائل جديدة لتحل محلها وتأخذ مكانها ، وصعدت وسائل أكثر حداثة وتمثل نقلة نوعية في الاتصال والتأثير .
ويثبت ذلك ، وغيره من تقنيات متقدمة في التواصل الجماهيري ، أن الوسائل القديمة لم تعد كافية ، ولم تعد قادرة على إقناع الرأي العام بالخطاب التقليدي ، لكون تأثير وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ، أقوى ، وأكبر ، وأوسع انتشارا .
لقد أصبحت أساليب التواصل الحديثة من أبجديات عمل ونجاح أى حكومة ، أو اَي مجموعة اقتصادية كبرى ، وان التواصل بأشكاله المعاصرة لم يعد رفاهية ، ولم يعد يجدى أن يظل أسلوبا علميا وعمليا مهملا ، من قبل الحكومات والمجموعات الاقتصادية .