لقد بات واضحاً أن العلاقات الدولية ، في عالم متغيّر ، متلاحق الإيقاع وسريع التطورات ، أصبحت تعتمد على العديد من أشكال الاتصال الحديثة ، المتعدّدة وشديدة التنوّع ، التي سمحت بها تقنيات الاتصالات الجديدة .
ومن المهم هنا أن نُشيرَ إلى شكلين من أشكال التواصل ، أو الاتصال الدبلوماسي والسياسي في العلاقات الدولية المعاصرة ، أولهما يتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي ، وثانيهما يتمثل في وفود المجتمع المدني ، وكلاهما يفتح بابا واسعا لاجتهادات عدة وابتكارات متنوعة ، في خدمة العمل الدبلوماسي بشكل عام ، و”اللوبي” أو جماعة الضغط على نحو خاص . ويمكنُ القولُ بأن فكرة “اللوبي” تستطيعُ أن تُقَدّمَ في هذا الإطار الكثير من أشكال العمل الإبداعي المثمر في مجال العمل الدبلوماسي .
ومن الأهمية بمكان ، أن نلفتَ إلى حيوية الاعتماد على فنون الاتصال الدبلوماسي الحديث أو الاتصال السياسي ، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، كجسر من جسور التواصل الفاعل والمؤثّر في عالمنا المعاصر ، ومع وحداته ومعالمه ، وأقاليمه السياسية والدبلوماسيّة والاقتصادية ، من حيث ان عالمنا اليوم ، قد أصبح “قرية” متّصلة ومتواصلة .
ولاشك أن الاستناد إلى هذا “المتغيّر” الجديد في عالمنا المعاصر ، هو إستناد بالغ الأهميّة في تأسيس علاقة اللوبي بـ “الآخر” في كل مكان حول العالم ، وأن نضعَ في الاعتبار أن فن الاتصال السياسى قد تغير كثيرا ، إن لم يكن قد تغيّر جذريا ، فى عصر بات يسميه عدد كبير من الخبراء “عصر وسائل الإعلام” ، حيث تُتيحُ ثورة الاتصالات إمكانات واسعة وخيارات متعددة ، في عملية الاتصال “الجماهيري” التي تتم على نطاق واسع فيما يُعرفُ للمتخصصين في نظم ونظريات الاتصال بالـ Mass Media ، ما يُسهّلُ للقائمين على التواصل مع جماعات المصالح ، والفئات والشرائح المراد التوجّه إليها ومخاطبتُها ، القيام بما تسعى إليه بمجهود أقل ، وفي وقت أقصر .
إن هذا الشكل من الاتصال ، يفتح آفاقا واسعة في التأثير الدبلوماسي في مجال علاقات جماعة المصالح أو “اللوبي” بالآخر ، ويعطيه إمكانات بالغة القوة والتأثير بين قطاعات أوسع من الجمهور الذي يمكن أن يستهدفَه ، وفئات قد لا يستطيع الوصول إليها عبر الوسائل التقليدية ، وفي وقت أقل كثيرا جدا مما يمكن أن تُتيحَه وسائل الاتصال الدبلوماسية التقليدية .
ولابد أن نشير إلى أن ظهور وسائل الإعلام “الاجتماعية” بتقنياتها وبما تمتلكه من أدوات ، كان لها تأثير كبير على التواصل الدبلوماسي والسياسي ، إذ أتاحت تلك الوسائل الحديثة ، وفي القلب منها ، ما تعارف عليه العالم بالـ Social Media ، اتاحت للسياسيين أن يتواصلوا مع الناخبين دون وساطة ، ودون الحاجة إلى وسائل الإعلام التقليدية ، ليقدموا أنفسهم لناخبيهم . فقد وفرت هذه الأشكال الجديدة من الاتصال دفعة كبيرة للمؤسَّسات والأجهزة الدبلوماسيّة والجهات السياسية . كما مثّلت ، في الوقت نفسه ، تحديا للمؤسسات التقليدية ، وذلك نظرا لتكلفتها المنخفضة ، ولما أصبحت تتمتّعُ به من شعبية واسعة ، باتت تُتيحُها وتُوفّرُها ، لمن يقوم بالتواصل مع الجمهور مباشرة .
لقد أصبحت وسائل الاعلام الاجتماعية ، وبخاصة تويتر وفيسبوك ، منصات مثالية للتواصل الدبلوماسي والسياسي . وليس من دليل أقوى على ذلك من نجاحها في التأثير ، خلال الحملات الإعلامية للمرشّحين في الانتخبات الرئاسية والبرلمانية في الغرب ، إضافة إلى دورها المؤثّر في مخاطبة شعوب العالم وجماعاته وتكويناته المختلفة ، من خلال الحملات التي تستهدف التأثير لتحقيق أهداف معيّنة.
وهناك عشرات الأمثلة على قوة تأثير الحملات “الإعلامية” في مواقع التواصل الاجتماعي ، وقدرتها على تحقيق “تحولات” مهمة في الرأي العام في الكثير من القضايا المشتركة بين الدول ، حتى بات الاتصال الدبلوماسي والسياسي عبر هذه المواقع ، من أهم “الرسائل” المتبادلة بين الجماعات ، ومن أهم وسائط “الحوار” الدبلوماسي .
ويرى كثير من المراقبين أن حملة دونالد ترامب ، كانت نقطة تحول كبرى فى الاتصال السياسى الحديث ، بعد أن اعتمد المرشح الجمهورى في مخاطبة ناخبيه ، على مواقع التواصل الاجتماعى ، وتجنب اللقاءات الجماهيرية الصاخبة ، وكثف من وجوده على موقع “تويتر” ، واستخدم مواقع إليكترونية أقل شهرة من وسائل الإعلام التقليدية ، في الوقت الذي كانت منافسته هيلارى كلينتون ، تنفق بسخاء على مؤتمرات جماهيرية يحضرها نجوم المجتمع ونجوم هوليوود وغيرهم من أجل دعمها ، وهو ما تجلّى بوضوح وعلى نحو كبير فى استخدام المال للتأثير في الرأي العام ، وبدا للجميع في صورة إنفاق يزيد بمقدار عشرة أضعاف ، عما أنفقه دونالد ترامب فى حملته ، التى جاءت به الى البيت الأبيض .
ويرى باحثون أن موقع تويتر وتغريداته ، لم يعد شأنا شخصيا بين المغردين والمتابعين لهم ، بل أصبح ، وفق مقالة للدكتور حسن أبوطالب نشرت في الأهرام المصرية في يناير 2017 “اصبح أداة سياسية بامتياز ، سوف يزداد دورها وتأثيرها فى العلاقات الدولية على نحو غير مسبوق ، فبدلا من الحوارات الرسمية ذات الأصول والتقاليد ، سنكون أمام حوارات من نوع جديد ، يتابعها العالم كله لحظة بلحظة وكلمة بكلمة ، ويعود الفضل في ذلك للرئيس الأمريكى دونالد ترامب ، الذى رأى فى تغريداته التى تتعلق بالشأن العام فى الداخل والخارج ، أداة تواصل ممتازة ، تغنيه عن التواصل من خلال أدوات الإعلام التقليدية ، وتعفيه من القواعد البروتوكولية ، التى يراها عقيمة مقارنة بموقع تويتر ، الذى يجعله يتواصل مع الداخل والخارج” .
ونرى انه من الاهمية بمكان ، الإشارة الى التطور التقني السريع جدا ، الذي مرت به عملية اللوبي في الآونة الاخيرة ، فقد بدأ يظهر في الأفق موءخرا ، مصطلح ال online lobbying كاداة لوبي حديثة ، نجزم أنها سوف تشق طريقها في المستقبل المنظور ، الى الحكومات والمجموعات الاقتصادية الكبرى ، التي تحتاج الى تحسين صورتها “image building” ودعم مكانتها وتحقيق أهدافها ، علما بان الجهة صاحبة هذا التقدم التقني في مجال عمل اللوبي والتي تحمل اسم “The Online Publishers” تشير في مطويتها ، بانه يمكنها تدشين حملات لوبية ناجحة ، من خلال ما تملكه من الآليات والأدوات التي “تكبر – magnifies” حضور تلك الدول والشركات في “عيون الآخر” ، مستخدمة تجاربها وخبراتها في مجال التسويق والنشر لسنوات طويلة ، ومن خلال استعدادها لتحسين صورة الجهة ذات العلاقة مباشرة ب 65 لغة ، وبالتعاون مع 100,000 كاتب وصحفي ومترجم ، و 900,000 موءثر ومدون ومراجع ، من مناطق مختلفة من العالم .
وهذا بلا شك يعني ، ان عملية اللوبي ، بدأت ، من جهة ، تحظى بخدمات تقنية متقدمة ، يمكن ان تستفيد منها الحكومات ومشاريعها الخاصة ، والشركات والموءسسات الاقتصادية الكبرى في القطاع الخاص . وان ذلك يعني من جهة ثانية ، ان الوساءل التقليدية للتواصل مع المجتمع قد سقطت ، وجاءت وسائل جديدة لتحلّ محلّها وتأخذ مكانها ، وصعدت وسائل أكثر حداثة ، تمثل نقلة نوعية كبيرة فى الاتصال ، والتأثير السياسي والدبلوماسي والاجتماعي .
وحيث ان موضوع ال online lobbying يمثل تقنية “حديثة جدا” ، تقنية يمكن ان توصف بانها “اخر” ما توصل اليه التقنيون في مجال تطوير عملية تحسين الصورة وتعزيز المكانة ، نجد انه من الاهمية بمكان ان نعرف ال online lobbying .
فكما أشرنا في مقالة سابقة ، فان مفهوم اللوبي “التقليدي” يصف الجماعات أو المنظمات التي يحاول أعضاؤها التأثير على صناعة القرار في هيئة أو جهة معينة ، وبالتالي ، فان المفهوم التقليدي يقوم على تأثير وضغط جماعة ما على صانع القرار ، أما ما اطلقنا عليه اعلاه ، بال online lobbying ، فهو المفهوم المتعلق بعملية اللوبي “عبر الفضاء الافتراضي” أو شبكات التواصل الاجتماعي ، فيقوم على أساس تأثير جماعة الناخبين والرأي العام بالضغط على ممثليهم في دوائر صناعة القرار في اتجاه معين ، وذلك من منطلق ان معظم الديموقراطيات الغربية تقوم على نظام الانتخابات ، وبالتالي فأن تأثير الناخبين يفوق من حيث حجمه أي تأثير آخر ، مرتبط بالمصلحة مع جماعات الضغط .
وفى تفسير لما سبق ، نجد أن الوسائل القديمة فى التواصل لم تعد كافية ، ولم تعد قادرة على إقناع الرأى العام بالخطاب التقليدي ، وهنا ، نجد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أقوى ، وأكبر ، وأوسع انتشارا أيضا .
لقد أصبحت أساليب التواصل الحديثة من أبجديات عمل ونجاح أى حكومة معاصرة ، وبذلك فان الكاتب يرى انه من الملائم اليوم ، أن تتحرك الأجهزة المعنية في الحكومات ، باتجاه تشكيل مجموعات عمل ، تدرس خصائص الجمهور المستهدف ، فى كل قضية أو أزمة ، واقتراح السيناريوهات المناسبة ، بدلا من الأشكال البدائية فى اتخاذ القرار ، وذلك في ضوء ان التواصل الدبلوماسي بأشكاله المعاصرة ، لم يعد رفاهية ، ولم يعد يجدى أن يظل أسلوبا علميا وعمليا مهملا من قبل الحكومات .
The Online Publishers (TOP) is an International Campaigner and Online Lobbyist operating in over 120 countries and 65 languages.
1 تعليق
Pingback: نتنياهو: خطة ترامب للسلام ستعلن بعد انتخابات الكنيست | Almoujaz News