مقالة للدكتور ابراهيم عبدالله المطرف استاذ العلاقات والمنظمات الدولية المشارك الأسبق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران
25 يوليو 2019
بِسْم الله الرحمن الرحيم
شدتني جداَ كلمات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سلمه الله للصحفي السياسي اللبناني نوفل ضو ، والتي قال فيها سلمان بأن “اللبنانيون في قلبي ولبنان في وجداني”. وأتذكر مشاعر سيدي وأنا في زيارة للبنان الأرز والمحبة هذه الأيام لألتقي بعدد من الأصدقاء من الاخوة اللبنانيين ، الذين يحتفظ لهم المواطن السعودي بمشاعر مماثلة لمشاعر قائده السياسي الذي يعتز به ايما اعتزاز ، سلمان بن عبدالعزيز ، ولازور مركز “عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية” احد المراكز القلة التي تعنى بهذا الموضوع الحيوي في محيطنا الخليجي والعربي والإسلامي ، واحد المراكز المتميزة في مجال علوم ودراسات السياسات العامة .
وذكرتني مشاعر الملك سلمان عن لبنان ، بأقوال وكلمات ومشاعر مماثلة ، جاءت على لسان القيادات السعودية المتتابعة ، منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ، طيب الله ثراه ، فهو الذي قال للرئيس شمعون “انتم في لبنان ، مستقبلكم وقوتكم في وحدتكم” . وهناك الملك فيصل يرحمه الله ، وهو الذي قال “ان لبنان لو لم يكن موجوداً، فلكان علينا ان نخلقه” . اما الملك فهد ، تغمده الله بواسع رحمته ، فقد كان له دور بارز في إزالة اثار الإجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢ ، وبذل الجهود والمساعي الجبارة ، التي نتج عنها حواراً بين النواب اللبنانيين في الطائف ، والذي ادَى ، بعون من الله وتوفيقه ، الى إنهاء الحرب ، والى التوافق الذي جاء ب “اتفاق الطائف” .
اما الملك عبدالله ، اسكنه الله فسيح جنانه ، فقد أبدى الكثير والكثير من المشاعر تجاه لبنان ، ويأتي من بين ما قاله “نحن مع جميع اللبنانيون، وعلى مسافة محبة واحدة ، ومحبتنا للبنان لا نبتغي منها اَي فائدة او مصلحة. وقوله ايضاً “ان من يقصر في حق لبنان ، فهو مقصر في حق نفسه ، وعروبته ، وإنسانيته” . اما الأمير سلطان بن عبد العزيز يرحمه الله رحمة واسعة ، فقد جاء على لسانه قوله “ان المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف ، وانها لا تتدخل في الشأن اللبناني ، وانما تقوم بما يمليه عليها واجبها تجاه الأشقاء في لبنان” .
وحقيقة الأمر هنا ، هي ان وتيرة تحسين مسارالعلاقات السعودية اللبنانية، قد أخذت تزداد مع مجيء الملك سلمان ، خاصة ما يتعلق منها بالزيارات الرسمية السعودية للبنان ، والتي كان من ابرزها خلال السنتين الماضيتين ، زيارة المستشار بالديوان الملكي الاستاذ نزار العلولا، وزيارة وفد مجلس الشورى، الذي ضم اعضاء لجنة الصداقة البرلمانية السعودية اللبنانية .
والزيارة الأخيرة الهامة، التي سعت الى تعزيز مسار العلاقات وتصويبها، هي التي قام بها خلال هذا الشهر رؤساء وزراء لبنان السابقين الثلاثة ، الرئيس نجيب ميقاتي، والرئيس فوائد السنيورة، والرئيس تمام سلام. وقد التقى الرؤوساء بالملك سلمان ، الذي اكد لهم سلمه الله ، على ان “ما يمس لبنان يمس السعودية ، وان موقف المملكة واضح ، فهي تريد للبنان الأمن والاستقرار والازدهار”. وقد جاء في بيان صدر عن الزيارة ، اشار الرؤوساء الثلاثة على ان خادم الحرمين الشريفين “قد اكد الحرص على امن لبنان واستقراره والعيش الواحد فيه ، وعلى صيغة العيش المشترك بين حميع اللبنانيين ، بكل طوائفهم وانتماءاتهم ، تحت سقف الدستور واحترام القانون والشرعية الدولية ، وان على اللبنانيين الحفاظ على ذلك، وعلى الدول العربية مساندته” .
أما زيارة المستشار نزار العلولا الذي وصف بأنه فهم لبنان بتركيباته السياسية والطائفية والمذهبية، وبشكل لفت الأنظار فقد وصفت زيارته من قبل الساسة والمثقفين ورجال الاعلام والصحافة والأكاديميين وغيرهم ، بأنها دشنت لصفحة جديدة في العلاقات الثنائية من جهة ، وأسست لخريطة طريق لمستقبل العلاقات بين البلدين من جهة اخرى .
وجاءت زيارة وفد مجلس الشورى ، وعقد اجتماع لجنة الصداقة البرلمانية في بيروت، في وقت مميز. وقد وصفها المراقبون والمتابعون لمسيرة العلاقات، بأنها زيارة تاريخية. وكتب امين القصيفي حولها يقول “بأن الزيارة تعكس في ما تعكس ، نفياً لما يحكى عن تراجع الدور العربي، والسعودي على وجه الخصوص، وان الزيارة جاءت تأكيداً على ان السعودية لن تخلي الساحة لإيران، وانها تواصل ترسيخ حضورها الفاعل، في مواجهة المشروع الإيراني التوسعي، وتدخلاته في دول المنطقة” .
ونجده من الأهمية بمكان هنا، الإشارة والإشادة ، بما قام به كلا من معالي السفير الدكتور عبدالعزيز خروجه، ومعالي السفير علي عسيري ، من دور دبلوماسي وسياسي مميز وواضح، ابان عملهما سفيرين للمملكة في لبنان. ولا ننسى ذلك الدور المهني الملموس، الذي لعبه ولا يزال يلعبه السفير وليد بخاري، في تجسيد الدور الدبلوماسي السعودي، بكل ما تعنيه كلمة الدبلوماسي من معنى، وبقوة وبمهنية عاليتين، قبل وبعد تعيينه سفيرا للمملكة في لبنان .
اما اللبنانيون، والحقيقة والحق يقال، فانهم دون استثناء إلا ما ندر، يثمنون للقيادة السياسية والشعب السعودي مواقفهم السياسية والاقتصادية والأخوية والودية، ويقدرون مبادرات المملكة النبيلة، ويرون فيها نموذجاً في الدعم الرسمي الصادق . كما يثمنون التضامن الشعبي السعودي الذي عبر عن انبل المشاعر وأصدقها تجاه لبنان واللبنانييين، ويعتبرون المملكة سباقة في تقديم كل ما يصب في مصلحة لبنان، شعبا وقيادة سياسية وحكومة، وان ذلك الدعم بشقيه الرسمي والأهلي، هو دعم ليس بغريب على المملكة، فهي مساندة اعتاد عليه اللبنانيون منذ زمن طويل .
وفي هذا الصدد، يكتب صلاح سلام، في مقالة له عن العلاقات بين البلدين قائلاً “ان الاحتفال بالعيد الوطني السعودي، هو اشبه بحفل عيد لبناني، لأن الأطياف والأحزاب والقوى السياسية تحرص على المشاركة فيه، تأكيداً على اهمية العلاقات الأخوية، وتقديراً لما تقدمه المملكة للبنان واللبنانيين” فيما اكد استاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية ، الدكتور عبدالرؤوف سنو على “ان هناك محطات كثيرة مر بها لبنان ، كان للسعودية اليد الاولى في انقاذه من ازماته، بفعل الدبلوماسية السعودية الوسطية والهادئة” .
وعن العلاقات الإقتصادية بين البلدين، يقول رئيس تحرير مجلة الاقتصاد والأعمال الأستاذ رؤوف ابوزكي ان “السعودية احتضنت لبنان سياسياً واقتصادياً منذ اتفاق الطائف، وإعادة إعماره بعد الحرب الأهلية، وصولاً الى حرب يوليو ٢٠٠٦، ولم تترك المملكة وسيلة من وسائل الدعم، إلا وقدمتها الى لبنان ” .
وفي الإطار نفسه، كتب راجح الخوري مؤخراً حول دعم السعودية ل “سيدر” قائلا “بأن السعودية لعبت دوراً حاسماً ومهما في انجاحه ودعمه ، خصوصاً بعدما تبين لها، بأن معظم الدول التي شاركت في المؤتمر، كانت تحرص على جس نبض الرياض، واستطلاع رأيها فيه ، وانها حرصت على أن تعطف مواقفها من المؤتمر على مضمون الموقف السعودي” . خاتماً مقالته بأن “لبنان الذي وصفه القادة السعوديون بانه “مقلة العينين” يظل في مقدمة الاهتمامات الإستراتيجية السعودية” .
وهنا نشير الى شهادة شخصية للرئيس سعد رفيق الحريري، التي جاءت في كتاب “السجل الأخضر” والتي قال فيها بأنه “قد تكون شهادتي الشخصية بدور المملكة في مساعدة لبنان مجروحة، ولكني اقولها بكل صدق وأمانة ، فالمملكة جسدت في تعاطيها مع لبنان ، انموذجاً فريداً ومميزاً في تاريخ العلاقات العربية العربية ، انموذجا يتطلب التمعن فيه ، والاقتداء به لإرساء علاقات اخوية .
وفيما يخص ما يحدث بين الحين والآخر من اشكاليات سعودية لبنانية ، ووفق لمقالة صلاح سالم ايضا فإن ” الرياض تنظر بكثير من السلبية ، وخاصة خلال السنتين الأخيرتين، الى العديد من المواقف الرسمية المتأرجحة بين المعارضة العلنية للسياسات العربية، وقرارات الأغلبية العربية في المحافل العربية والإسلامية والدولية ، وبين التهرب من التصويت، والتعبير عن معارضة ضمنية للمواقف العربية. مضيفا بأن “ثمة انتقاد سعودي مرير للطريقة اللبنانية في تطبيق سياسة النأي بالنفس، والتي يلتزم بموجباتها أصدقاء المملكة وحلفاءها ، في حين لا يوفر الفريق المؤيد لمحور طهران، اَي فرصة للتهجم على المملكة وقياداتها ، دون الأخذ بمتطلبات النأي بالنفس المتوافق عليه” . ويؤكد أهمية موضوع النأي بالنفس ما جاء على لسان السفير الفرنسي في لبنان، برونو فوشيه، الذي قال في كلمته خلال احتفال سفارته بالعيد الوطني هذا العام بان “وحده ، احترام سياسة الناي بالنفس ، يتيح للبنان البقاء بمنأى عن النزاعات” .
أما نحن المواطنون السعوديون واللبنانيون ، على حد سواء ، فنحتاج الى ان نكرس جهودنا في دعم مسار العلاقات بين بلدينا ، من خلال مساندة قياداتنا السياسية ، في سعيهم الى تصويب مسار العلاقات، وذلك بمنحهم مزيداً من الثقة ، في ما يبذلونه من جهد، لتعود العلاقات بيننا كما كانت عليه وأفضل، ولتستمر “الاخوة” عنواناً لعلاقاتنا، فنحن مواطنوا البلدين، اكثر ما نحتاج اليه اليوم، هو صوت العقل والحكمة والاعتدال، والتي تتطلب منا ان نقف في وجه اَي فرصة للعبث بعلاقاتنا، او العصف بإخوتنا ، او الإساءة للمودّة بيننا، او تدنيس ذلك الإرث الطويل من العلاقات، التي عمل على توطيدها الكثيرون من قبلنا.
فنحن، السعوديون واللبنانيون، كنّا ولا نزال، ننظر الى بعضنا البعض بنظرة أُخوة واحترام ، وقد ولد مشاعر الوّد تلك بيننا ، ذلك الارتباط التاريخي الذي احتفظنا به، وحرصنا عليه، وحصناه بدبلوماسيتنا الناعمة، وبثوابتنا التي أرسى قواعدها الملك المؤسسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن والرئيس شمعون، يرحمهما الله ، والقيادات التي تلتهما، والنخب السعودية اللبنانية المتتالية، بشرائحها ومكوناتها المختلفة والمتعددة .
وأختم مقالتي هذه بالتأكيد على “توافقي” مع ما جاء في التصريح الذي ادلى به المستشار نزار العلولا خلال زيارته الى بيروت عام ٢٠١٨ وهو “ان السعوديون، كانوا ولا يزالون يراهنون على ذكاء اللبنانيون ونجاحهم، وعلى تراثهم وثقافتهم وقدراتهم فاللبنانيون نجحوا في العالم كله ، وانه لا ينقصهم سوى التفاهم بينهم ” .
وأختم مقالتي بحقيقة، ربما يختلف معي البعض حولها وهي ان “علاقة لبنان الحميمة والوطيدة بالمملكة العربية السعودية، تشكل عنصر استقرار وتنمية لا تقدر بثمن” .
وحيث ان الملك سلمان قد أبدى خلال استقباله الرؤساء الثلاثة رغبة صادقة في زيارة لبنان فيتمنى الكاتب ومن منطلق حرصه على تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين أن تتم تلك الزيارة ، في المستقبل المنظور انشاء الله .
حفظ الله السعودية وأهلها ، ولبنان واهله، من كل مكروه ،،،
“Making money from blogging requires you to do only two things: drive a lot of traffic, then maximize the income from that traffic.” – John Chow – Subscribe with THE ONLINE PUBLISHERS TOP online bloggers to offer your services as a blogger.