غالبيّة المجتمعات في العالم، تحتفل باليوم العالميّ للمرأة في الثامن من شهر آذار. يركّز أفراد المجتمع “الناضج” على قيمة المرأة ودورها وإنجازاتها وإسهاماتها العظيمة والمميّزة في كافّة نواحي الحياة ومتطلّباتها على جميع الصُّعُد، كما الإقرار بمكانتها وحقوقها لا سيّما المساواة والعدالة الإجتماعيّة. هذا اليوم هو دعوة لتجديد وتغيير النظرة “لواقع” و”حالة” المرأة في المجتمع. أَلَيسَت فرصةً سانحةً للنظر والعمل في كيفيّة تسريع خطّة عام 2030، التي تهدف إلى تطبيق عمليّ وفعّال لأهداف التنميّة المُستدامة؟ كما تمكين النِّساء والإلتزام بحقوقهنَّ وتحقيق المُساواة بين الجنسين؟ هل تساهم المرأة في صنع القرار في مختلف مجالات الحياة؟ أم أنَّ دورها مُغيَّب عن قصدٍ أو عن غيرِ قصد؟ بالتَّأكيد تملك المرأة حيثيّة مهمّة في حياة الإنسانيّة، لما لها من “أدوار” على جميع الصُّعُد.
تتطلّب عوامل التجديد والتغيّير التركيز على العقل والمنطق والعلم والتنشئة الدائمة، التي تؤدّي إلى تفعيل حركة التجدّد والإنتفاح من خلال الحوار، وقبول المشاركة في صُنع القرار وتنفيذه. يمكننا التَّأكيد أنّ المرأة قادرة على أخذ القرار بإدخال بعض التحديث والتغيّير في مسلكيّة المجتمع، من خلال تواجدها وحضورها الفعّال، من خلال أخذ المُبادرات المتعدّدة والمتنوّعة، التي تصبُّ في خانة خلق ذهنيّة جديدة، تُسهم في تقبُّل المرأة في مجتمع “ذكوريّ”، بمثابة عامل نهضويّ وتنمويّ وتجديديّ. ألا نعتقد أنّ المجابهة المنظَّمة والهادئة، والمبنيّة على التعاون والتعاضد في ما بين النِّساء، تُعطي دعماً للمحافظة على مكانتها؟
تعلّمنا الخبرات من خلال العقل والفكر، أنّ التحديث يحتاج إلى عوامل كثيرة ومتعدّدة لتحقيق أهدافه، لذا التفاعل الإيجابيّ والمُستمرّ بين أفراد المجتمع، لا سيّما بين النِّساء، حول “قضايا” أساسيّة وجوهريّة ومصيريّة تخصّ حياة الفرد، يُعطي دفعًا فعّالاً للتغيّير والتجديد. يبقى التفاعل عاملاً هامّا في الأحلام والتجديد، لا سيّما عندما تأخذ المرأة المُبادرة لإحداث تغيّير نوعيّ مبنيّ على المنطق والعلم، يعود بالخير على جميع أفراد المجتمع المتعطّش إلى الحريّة السليمة والدِّيمقراطيّة الصحيحة والمساواة بين الرجل والمرأة، وبالتحديد المساواة في توزيع “الأدوار” أو بالأحرى “المَهمّات”.
يؤكّد “الواقع” أنّ المرأة عامل تجديديّ للمجتمع من خلال التنمية المُستدامة، لا سيّما أنّها حقّقت ذاتها، من خلال التحرّر والإستقلاليّة، وإثبات الذَّات، وإبراز المواهب والكفايات والمقدّرات والإبداع والتمايز في جميع المجالات. تسعى المرأة المثقّفة والمتعلّمة والناشطة إجتماعيًّا، إلى تغيّير “الواقع” المتجذّر في ذهنيّة بعض أفراد المجتمع، ألا وهو عدم الاعتراف بالمساواة بين الجنسين، والتعلّق “بالأنماط” أي “الكليشيهات”، الجامدة والمُتحجِّرة حيال مكانة المرأة وفاعليّتها، في عمليّة التغيّير والتجديد والتحسين، في شتّى المجالات، التي يحتاجها عصرنا اليوم. نعم، بالمُطلق عملت المرأة على بناء الذَّات واحترامها، ممّا يُسهم في المواجهة والتقدّم والتجديد، حيث المُثابرة والتوعية والحماية والتنمية وتعلّم إستراتيجيّات لتحقيق بناء الذَّات، وغدٍ أفضل. نعم، بإمكان العمل اليوميّ المُضنيّ، المُساهمة في تمكين المرأة من تحقيق التغيّير الفعليّ والحقيقيّ، الذي يؤدّي حتمًا إلى التجديد في حياة المجتمع كافة.
نعم، إنّ المرأة هي فعلاً عامل تجديديّ، لأنّها تملك المؤهّلات المناسبة والمقدّرات المميّزة، وتركيزها على تفاعلها في عمليّة التغيّير وإعادة إصلاح المجتمع، من خلال التَّربية على القيم والمبادئ. نعم، إنّها عاملُ تجديدٍ فعليٍّ، وتغيّيرٍ عمليّ في سبيل تطوير شرائح المجتمع، ومكوّناته، ونموّه وتقدّمه المستمرّ. فهي مؤهّلة وقادرة على المُساهمة في تحقيق المُساواة مع الرَّجل، من خلال إستعادة مكانتها ودورها في بناء المجتمع، ليس طمعًا في أخذ مكانه، بل قناعةً منها بضرورة مشاركة الرَّجل في تحمّل الخيارات والقرارات والمسؤوليّات في أكثر من ميدان. لذا عليها العمل بكلّ قواها وطاقاتها وقدراتها ومواهبها، مع سائر النِّساء، على تغيّير: ذهنيّة بالية، وتربية متخلّفة، ومفاهيم قديمة رسَّختها عصور الإنحطاط والإستبداد والتخلّف.
معًا، لمستقبلٍ مُشرقٍ.
معًا، لدعم المرأة ومساندتها.
معًا، لمجتمعٍ متجدّدٍ، بجَناحَيه، المرأة والرَّجل.
الأب د. نجيب بعقليني