بقلم نجيب خليل روحانا
الوضع اللبناني مع قياداته السياسية «ما في عالحكي جمرك». تتوالى التصريحات والتصريحات المضادة من نفس المسؤول ومن خصمه. يتبادلان الأدوار والتهم، دون أن يرفّ لهم جفن. تتوالى الوعود، التي لا يمكن وصفها إلاّ خيالية وكاذبة، دون أن يخشى قائلها أي ردة فعل. نعيش الفوضى والصراخ والضجيج وعرض العضلات وتثبيت الإنتصارات؛ صولات وجولات على وسائل التواصل الإجتماعي وكأنّها أفلام «صور متحركة» محزنة ومضحكة.
«ولادة قيصرية» معقّدة لحكومة العهد «الثانية» وليست الأولى ولوقبل أصحاب الشأن بالتسليم المجاني بهذه «البدعة» لأن الأولى كانت ثمرة التسوية السياسية التي استولدت العهد نفسه. يبدو واضحاً أنّ لا انسجام بين مكوّناتها، وإن كانت الضرورات تفرض بقاءها واستمرارها لضمان انطلاقتها في ظروف محيطة معقّدة وخطرة لا تسمح لأي فريق بالتعطيل وتحمّل مسؤولية «الإنهيار الكبير».
واقع المعطيات السياسية والتفاهمات التي حصلت عشية ولادة الحكومة يحمّل الأركان الأساسيين لهذه «التفاهمات» تبعة التسبب بفجوات وحفر بالغة الخطورة في نسيج الحكومة ستنعكس حتماً على مسارها وعملها وإنتاجها. فليس المهم أن يرزق المرء في لبنان بحكومة، إنّما الأهمّ أن تعيش وتكون فاعلة. حال «الشعوب اللبنانية» لم يعد يهمها شكل الحكومات ولا من تمثّل، بل صار يهمها كيف تحكم لمصلحة معيشتها وأحوالها، لم يعد يهمها ماذا تقول البيانات الوزارية، بل الّذي ينفّذ منها، فقد سئم الناس سماع الوعود الواهمة، وبات المطلوب حكومات تعمل لا حكومات تحكي وتثرثر، حكومات تضع جدولاً زمنياً ليعرف الناس متى تتأمن الكهرباء 24/24، ومتى تزول النفايات والمكبات، ومتى يرون فاسداً يمثل أمام القضاء، يريدون إقرار موازنة عامة، موازنة إصلاحية ولا تكون الإصلاحات إنشائية أو تجميلية، يريدون تطبيق قانون الشركة بين القطاعين العام والخاص، وبالتوازي مع قوانين «الخصخصة». لقد سئم الناس سماع خطط لا تحصى وتنجز فقط على وسائل التواصل الإجتماعي… لذا على الحكومة الجديدة أن تطبّق ما بقي من بنود «اتفاق الطائف وخصوصاً «اللامركزية الإدارية الواسعة»، وهذا بيت القصيد.
من دون اللامركزية الموسعة التي توصلنا الى «الفيديرالية»، لبنان سيبقى بلد مؤقّت الى إشعار آخر. مشاريعه ومرافقه، ومستقبله جميعها مؤقتة. فصوله مفاجأة، السيول مفاجأة، العواصف مفاجأة. إذا أمطرت وكأنها تمطر للمرة الأولى، والمضحك بلاد وقع فيها طوفان نوح لا تزال تفاجأ كما لو كان أول شتاء في تاريخها. المثل يقول: «إذا غضب الله على قوم جعل صيفهم شتاءً وشتائهم صيفاً». أما في لبنان فقد غضب الله علينا وجعل الحكم عندنا مالاً والعلم سمسرة وصيفنا وشتاءنا على سطح واحد والسلام عليكم…!!