علي مخلوف
يقولُ أحدُهم “الألم، الحُب، والخَوف، يجعلونك حقيقيّاً من جديد” لعلّها المشاعرُ ذاتها التي تجعلُ شعوبنا توّاقةً لمعرفةِ المجهول الذي تخافه، لا سيّما أنّها في أسخنِ مكانٍ على الكوكب الأزرق “الشرق الأوسط”.
مع تزاحمِ الفضائيّات لحجزِ منجّمينَ أو ما يُقالُ عنهم “علماءُ فلك” رغم أنّهم ليسوا بخرّيجي فيزياء، ولا بروّاد فضاء، ولا بمتابعينَ للثقوبِ السوداء، أو مكتشفين لكويكباتٍ جديدةٍ، تكثرُ تساؤلاتُ الناسِ عن أوضاع بلدانِهم وقادتهم ومصير قضاياهم، المُفارِقة هي أنَّ الطّالعَ الفلكيّ بات الميزان لشعوبنا في معرفةِ مصيرها.
لا يوجدُ شيءٌ ضدَّ هؤلاء “الفلكيّين”، لكنّهم ذاتهم يقومون بنشرِ توقّعاتٍ تعتمدُ على تقاطعاتٍ في السياسة “أحداثٌ ومواقفٌ وتصريحاتٌ لأحزابٍ وزعماء ودول”.
إنْ كانَ الأمرُ كذلك فإنَّ الصحفيّينَ والسياسيّين هم أكثر لصوقاً بالتنبّؤ السياسيّ من غيرهم، واستغلالاً لمقولةِ أنَّ الناسَ تخشى من المجهول سنشرعُ بدبجِ التوقّعات السياسيّة للعام الجديد.
في سوريّة، اختفت طناجرُ العرعور، وتبخّرت شعاراتُ التابوت وبيروت، لقد أيقنَ الكثيرونَ أنَّ رغيفَ خبز في بطنِ جائعٍ خيرٌ من جنّةٍ مليئةٍ بالحور المدجّجات بمفاتنِهن، أو بأنهارِ خمرٍ ولبن، تحرّر الكثيرُ من المناطق، وبدأت دمشقُ تتحوّلُ إلى عاصمةِ حجٍّ دبلوماسيّ، بعد وفودٍ برلمانيّةٍ ودبلوماسيّةٍ وأمنيّةٍ أغلبها غير مُعلنٍ للإعلام، زارَ وفدٌ برلمانيٌّ أردنيٌّ رفيعٌ العاصمةَ السوريّة، حمّلَ الرئيسُ بشار الأسد ذلك الوفدَ رسالةَ تحيّة للأردن قيادةً وشعباً وحكومةً، بادلَ الملكُ الأردنيُّ تلك التحيّةَ بمثلِها وتمنّى الخيرَ لسورية قائلاً: “إنّها تتعافى وإنَّ الوضعَ فيها سيعودُ لِمَا كانت عليه قبل الحرب”. زار الرئيسُ السودانيّ عمر البشير دمشق، بادئاً الحلقةَ الأُولى من مسلسلِ زيارةِ زعماء ومسؤولين عرب لدمشق في المستقبل، تمَّ الحديثُ عن تجهيزِ إعادةِ فتح السفارة الإماراتيّة، وهناك المزيدُ من السّفاراتِ العربيّة والغربيّة التي سيتمُّ الإعلانُ عنها.
أمّا الروسي فقد قال إنَّ التواجدَ العسكريَّ التركيّ في إدلب شمال سورية مُتّفقٌ عليه مع الحكومة السوريّة، أعطى التصريحُ إشارةً للكثيرين بأنَّ التنسيقَ سيتطوّر، أمّا فيما يخصُّ اللّجنة الدستوريّة والانتخابات فإنَّ الروسَ يعلمون أنَّ هناك قاعدةً شعبيّةً واسعةً للرئيس الأسد في الداخل؛ بل وحتّى لدى الجاليات في الخارج، سيتمّ تعديل الدستور وتعودُ المياهُ العربيّة إلى مجاريها في دمشق.
لبنانيّاً الأمرُ مرتبطٌ بدولِ الجوار، البلدُ الجميلُ والجدليّ، يتأثّر فلكيّاً بما يحدثُ حوله، بعد التسويةِ السوريّة، ستشهدُ الساحةُ اللّبنانيّة هدوءاً، سيعودُ كلُّ اللاجئين السوريّين، ويتمُّ تحقيقُ حلم باسيل بإقامةِ سككٍ حديديّةٍ وطرقٍ بريّةٍ تربطُ لنبانَ بسورية والعراق ومنها للعالم، كما سيتمُّ افتتاحُ مناطقَ للتجارةِ الحرّة على الحدودِ، ليس مبالغة إنْ تمَّ القولُ إنّه في حالِ تسويةِ الأزمةِ السوريّة، فإنَّ لبنان قد يتحوّلُ إلى ترانزيت اقتصاديّ لعمليّةِ إعادةِ إعمارِ سورية، مع السماحِ لقوى وجهاتٍ لبنانيّةٍ بالمشاركةِ في إعادةِ الإعمار، الحكومةُ اللّبنانيّة ستكونُ أمامَ خيارِ التخلّي عن سياسةِ النأي بالنفس؛ لأنَّ التسويةَ الشاملةَ تعني اختفاءَ المشكلات الإقليميّة، ما يعني عدم الحاجة للنأي بالنفسِ بعد الآن، لكنَّ التحدّي الأصعب لبعضِ الأحزاب اللّبنانيّة هو إمكانيّةُ الذهابِ لدمشق، يقول بعضهم إنْ كانَ زعماء وقادةٌ عرب سيذهبونَ إلى سورية فلِمَ لن يذهب سياسيّونَ لبنانيّون أيضاً؟ هذا سيخفّفُ من حرجِ الموقفِ على هؤلاء.
أمّا عربيّاً فإنَّ السعوديّة حاليّاً في مرحلةٍ صعبةٍ من تاريخها، المملكةُ واجهت وما تزالُ تواجهُ تحدّياتٍ، من مصلحتها هدوء الساحة السوريّة، وإنهاء كوابيس المخاوف الحوثيّة بمصالحةٍ أو هدنةٍ طويلة الأمد، إعادةُ ترتيب البيت السعوديّ الداخليّ وتعبيد الطريق لابن سلمان من أجلِ وصولٍ سَلسٍ إلى العرش، مع هدنةٍ إقليميّةٍ مع تركيا المُنافِسةِ للمملكةِ بزعامةِ العالم الإسلاميّ على أساسٍ مذهبيّ.
التهدئةُ والتسوياتُ من مصلحةِ الجميع في هذه المنطقة، سوريّاً ولبنانيّاً وخليجيّاً وتركيّاً، أمّا فيما يخصّ احتماليّة مواجهةٍ بين المُقاومةِ وإسرائيل، فإنَّ ذلك يضعفُ كلّ يومٍ، وإنْ حدثَ سيكونُ المحورُ الخصمُ لمحورِ المُقاوَمةِ في موقفٍ أكثر حرجاً ممّا سبق “كَذِبَ المنجّمونَ ولو صدقوا” لكنّنا نتمنّى صدق التوقّعات، ففلكنا الذي نستلهم منه هو قلمٌ كتبَ عن البارودِ وآن له الكتابة عن الورود.
وكالة أنباء آسيا