عندما يكون (رِضا النَّاسِ غايَةٌ لا تُدْرَكُ) قاعدة لا تقبل الشك، فإنّ الغريب في عمليّة تشكيل الحكومة أنْ يُمَنّي الرئيس المُكلّف سعد الحريري النَفْس بتشكيل حكومة “وحدة وطنيّة”، أو كما يحب أن يُسمّيها حكومة “وفاق وطني”، تُرضي جميع الأفرقاء.
حتى اليوم، لم ينجح الرئيس المُكلّف في محاولته إرضاء الأفرقاء ولا حتى في نيل رضاهم على جهوده وما يعتبره “تضحياته”، خصوصاً أنّ هؤلاء الأفرقاء، الذين هم الأحزاب “الطائفية – السياسيّة” والكتل النيابيّة “الحقيقيّة والمفبركة” المتنازعة بشراسة على حصص وأحجام ونوعيّة حقائب – هي في نظرهم نهاية المصلحة الوطنيّة – وفق معايير خاصة بكلٍ منها للمشاركة في حكومة، يعلمون أنّها لن تبصر النور من دون أيّ منهم.
الأسوأ، بالاستناد إلى أداء الأحزاب “المعرقل” وبالقياس على النتائج “السلبيّة” للمشاورات والحوارات والاتصالات القائمة معها وفيما بينها، يظهر جليّاً أنّ معظم المتنازعين يتوزّعون على الفئات التالية:
– الأولى: “ما شايف حدا”.
– الثانية: “شايف حالو”.
– الثالثة: “ما حدا شايفو”.
على ما يبدو، فات الرئيس الحريري أنه حتى (رِضا “الأحزاب” غايَةٌ لا تُدْرَكُ)، فكان أنْ أدخل نفسه في متاهة إرضاء هذا الفريق في رغباته والوقوف على خاطر ذاك الفريق في مطالبه، ما سهّل وشجّع على استيلاد العقد الحكوميّة وجمّد “فعليّاً” صلاحيّة التأليف المنوطة دستوريّاً وحصراً بالرئيس المُكلّف، وبالتالي بات جائزاً السؤال:
(الرئيس سعد الحريري، الذي سمّاه معظم نوّاب الأمّة اللبنانيّة، مُكلّف بماذا؟).
أيّاً كانت الإجابة، لا شيئ يمنع من ذكر بعض الملاحظات:
أولاً، ليس لائقاً أنْ يكون الحريري، بكل ما ومَن يمثّل، رئيساً لحكومة ليس هو من شكّلها، أي حكومة “أمر واقع”.
ثانياً، حرصه الشديد على تشكيل حكومة “وفاق وطني” متوازنة يتمثّل فيها الجميع ليس سبباً موجباً لأنْ يجمّد الحريري دوره الدستوري ليلعب بدلاً منه دور “شيخ صلح” بين الأحزاب المتنازعة.
ثالثاً، مهما بلغت حدّة التنازع بين الأحزاب لا يجوز للرئيس المُكلّف أنْ يترك لها حريّة تقاسم الحصص وتحديد الأحجام وتبادل الحقائب على “ذوقها”، فهذا “الترك” يعني أنه لن يبقى للحريري من صلاحية التأليف إلا التوقيع.
رابعاّ: من المُؤسف أنْ يكون العائق الأخير أمام ولادة الحكومة هو الرئيس المُكلّف نفسه من خلال رفضه تمثيل النوّاب السُنّة “المستقلّين” مخالفاً بذلك دعوته الغير إلى التضحيّة.
خامساً: دليل عدم ثقة “مُضمَر”، بالمعني الحقيقي للكلمة، أنْ تكون غالبيّة الكتل النيابيّة التي كلّفت الحريري بتشكيل الحكومة هي نفسها التي تضع في طريقه عقبات وعراقيل معظمها يبدو “مفتعلاً”.
من المُعيب، أنّ يصبح لبنان بلداً “يتسَوَّل” حكومة تكون “مُنتجة”، ولو بالحد الأدنى، تُعينَه على مواجهة التحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة.
فمتى وكيف وبأيّ كلفة سياسيّة يستعيد الرئيس المُكلّف دوره الدستوري من قوى التشكيل الواقع؟
وهل يجرؤ الحريري وشركاؤه في السلطة على تسمية حكومتهم المنتظرة (حكومة الإنتاج) كي تُدين نفسها، في حال قصّرَت، قبل أنْ تُدان؟